دماغ خارق للعادة: استراتيجيات علمية لتحسين التركيز و الذاكرة

التركيز وما ادراك ما التركيز؟ كمخلوقات بشرية بدأنا نفقد هذه المهارة المهمة بسبب تكالب العالم على انتباهنا والذي وصفه البعض بأنه أثمن عملة على وجه الأرض.

 

كيف لا وهي ليست سوى حياتنا تذهب سدى أمامنا مشتتين بأتفه الأسباب. إذا ذهب وقتك، ذهب بعضك و في النهاية أنت لا سوى المنتج النهائي لما وضعت انتباهك وتركيزك فيه.

 

  قال الإمام الحسن البصري رحمه الله :

  “يا ابن آدم إنما أنت أيام فإذا ذهب يومك ذهب بعضك”

 

في الحقيقة وأنا أكتب هذه المدونة، تشتت انتباهي عدة مرات بسبب اشعارات ورسائل عدة. لذا سأضع الهاتف على الوضع الصامت وأرميه بعيداً و سأركز للكتابة عن التركيز والانتباه.

 

ما هو التركيز؟

عندما كنت طفلاً كنت ألعب بعدسة مكبرة واستخدمها لتركيز أشعة الشمس لحرق الأشياء في المنزل من دون علم والديّ. هذا هو بالضبط التركيز!

 

بكلمات أخرى، التركيز ليس سوى القدرة على توجيه انتباهك و مواردك العقلية إلى مهمة محددة، مع تصفية عوامل التشتيت. 

 

بدأت قصتي مع التركيز خلال دراسة الطب أيام الجامعة قبل سنوات. كنت دائما ادرس والسماعات تفجر طبلة اذني والهاتف امامي واقرأ ما مكتوب امامي ظناً مني بأن هذا كافي للحفظ وإدراك المواد.

 

استمر الأمر في الحقيقة حتى آخر سنوات الجامعة مع أني تركت سماع الاغاني واستبدلتها بأصوات الطبيعة والنغمات الأذنية إلا أن هذا لم يكن كافياً في نظري لأني لم أكن مستعوباً لمفهوم التركيز.

 

أنهيت دراستي بتقدير عالي ولكني على علم بأني كان لدي القدرة على تقديم أداء أفضل ولله الحمد. كيف اعلم؟ 

 

دعني اشرح لك! من خلال تعلمي اللغة الالمانية والطب من جديد بهذه اللغة الصعبة، احتاج مني الأمر الى الكثير من الجهد والمثابرة مع تطبيق بعض الأشياء التي تعلمت من بعض الكتب والعلماء لتحقيق اقصى استفادة من وقتي.

 

وعندما قارنت نفسي بـ عصام من سنوات الجامعة، لاحظت بأني لم أكن أستخدم دماغي بشكل صحيح للتعلم بشكل دقيق! لكن لا داعي للبكاء على اللبن المسكوب. 

 

لكي تكون أفضل نسخة من نفسك، دعني استعرض عليك من تجربتي الخاصة و الدراسات العلمية خطوات عملية يمكنك اتباعها و تضمن لك الوصول لاعلى مستويات التركيز والنجاح.

 

ولكن قبل هذا دعني اقنعك بأهمية التركيز!  

 

لماذا التركيز مهم جدًا؟

لأن التركيز هو المفتاح لخلق تحف فنية في حياتك. سواء كنت تعمل على مشروع عمل، أو تتعلم مهارة جديدة، فإن التركيز هو الذي يسمح لك بإعطاء كل ما لديك.

 

  • يزيد الإنتاجية: عندما تركز، يمكنك إنجاز المزيد في وقت أقل. لأنك لا تضيع الوقت في التبديل بين المهام أو التفكير في أشياء أخرى.

  • يعزز الإبداع: عندما تركز، يسهل عليك الوصول إلى أفكار جديدة وحلول مبتكرة. لأنك لا تقيد نفسك بالأفكار القديمة أو القيود.

  • يحسن التعلم: عندما تركز، تكون أكثر قدرة على امتصاص المعلومات وتذكرها.

  • يقلل من التوتر: عندما تركز، تكون أقل عرضة للشعور بالتوتر والقلق. لأنك لا تشعر بالإرهاق من محاولة القيام بالعديد من الأشياء في وقت واحد.

  • يزيد الرضا: عندما تركز، تشعر بالرضا عن حياتك. لأنك تحقق أهدافك و تسير في الاتجاه الصحيح.

 

كيف يمكنني تحسين تركيزي؟

اذا وصلت الى هنا فيبدو بأنك تستطيع التركيز ولكن يوجد مجال للتحسن.

 

  1. تخلص من السوشيال ميديا:

وسائل التواصل الاجتماعي فرقتنا و شتت تركيزنا الى “60 ألف قطعة” كما تقول والدتي.  رنين الاشعارات، الالوان، الصور والأخبار وما الى ذلك، كله مصمم ليجعلك تدمن على استخدامها.

 

أتذكر جيداً عندما أغلقت حساباتي الشخصية على فيسبوك وتويتر وانستجرام قبل أكثر من 10 سنوات لأجد التركيز وأن اليوم حقيقة فيه 24 ساعة. هل لاحظت بأنك عندما تشعر بذرة ملل، تفتح نقالك و تبحث عن أي محفز!

 

هذه البرامج تقدم متعة لحظية قصيرة وعندما تستخدمها بشكل مكثف ستشعر بقلة الفائدة وتشتت الانتباه والإرهاق لانك تنتقل من مهمة إلى أخرى بشكل سريع.

 

وهذا بالتحديد ما وجده العلماء في دراسة أجريت في 2019.

 

“فإن تكلفة تعدد المهام هي انخفاض في الدقة وزيادة في الأخطاء.  كما كشفت دراسات التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي أن مناطق  الدماغ المسؤولة عن الانتباه والتحكم تكون أكثر نشاطًا عند تعدد  المهام. يدل هذا بأن تعدد المهام يتطلب جهدًا أكبر من أدمغتنا ، مما يؤدي إلى زيادة الحمل المعرفي نهاية الى الاجهاد والاحتراق. “

 

تستطيع أن تطفئ جهازك وتضعه في غرفة أخرى أو أن تحذف البرامج وتنزيلها من جديد عند الحاجة أو كما فعلت شخصياً وأغلقت حساباتي فترة من الزمن ولاحظت بأني غير محتاج لها وتخلصت منها جميعاً للأبد.

 

  1.  خصص قطع من الوقت: 

 

أنا لا أطلب منك أن تكون منتجاً طوال الوقت فلك الحق بالاستمتاع بما تريد وهنا يأتي دور قطع الوقت. الفكرة هنا بسيطة جداً، ليس عليك سوى تقسيم يومك الى عدة قطع وتخصيص كل قطعة لشئ معين.

 

 

هذا جدولي على تقويم جوجل على سبيل المثال للفترة القادمة. أعلم بأني من الساعة كذا إلى كذا سأفعل كذا. التخطيط سيوفر عليك الوقت اولاً ويزيد استمتاعك بالنشاط الذي تريد القيام به لأنك حاضر في اللحظة ولست مشتتا بأخطاء الماضي ولا القلق من المستقبل.

 

للدراسة والعمل والإبداع، يفضل تخصيص 90 دقيقة (ما يسمى بنظم الفوق يومي أو Ultradian Cycle) من العمل المركز مع راحة (لا تقل أهمية) حوالي 10- 30 دقيقة بين كل دورة مع مجموع 3 دورات كحد أقصى في اليوم.

 

هذا البرنامج ساعدني لتتبع الوقت وحفظ تقدمي والوقت الذي استثمر.

 

3. التأمل:

سأكون صادقاً، حاولت عدة مرات تكوين هذه العادة لما لها من فوائد عديدة ولم استطع الالتزام  بها أكثر من شهر. للتأمل مزايا عدة كما أوضحت الكثير من الدراسات لعل أهمها موضوعنا اليوم.

 

في دراسة محكمة قامت بها دكتورة علم الأعصاب ويندي سوزوكي:

 

أظهرت النتائج بعد ثمانية أسابيع من ممارسة التأمل اليومي لمدة 13 دقيقة بأنه يمكن أن يحسن الذاكرة والتركيز والمرونة المعرفية ويساعد على إدارة التوتر بل وتعزيز الإبداع.

 

من منا ليس لديه 13 دقيقة في يومه؟ 

هذا البرنامج ممتاز ومجاني يمكنك استخدامه للبدء من الآن وأعدك بأني سأبدأ معك من جديد.

 

4. النغمات الأذنية:

اكتشفت وجودها “بمحض الصدفة” منذ عشر سنوات تقريباً وجربتها عدة مرات بشكل غير منتظم و تركتها معتقداً بأنها ليست سوى كلام فارغ (أو قطاف بالليبي).

 

منذ أكثر من ثلاث سنوات بدأت باستخدامها من جديد بانتظام و التأثير كان واضح وقد لاحظت الفرق عند استخدامها لهذا واظبت عليها.

 

ما شعرت به كان الاتي:

  • زيادة التركيز و سهولة دخوله.

  • إمكانية التركيز لفترات أطول.

  • الشعور بالهدوء التام والراحة.

 

لنبدأ بالأساسيات وتحديداً التعريف، ما هي النغمات الأذنية؟

 

“هي نغمات سمعية علاجية تم اكتشافها من قبل العالم هنريك وليام دوف عام 1839م. وتعمل هذه النغمات على إرسال ذبذبات أو نبضات في مناطق محددة من الدماغ لتقوم بتنشيطها

 

تأثيرها على الدماغ يعتمد على الفرق بين تردد الأذنين اليمنى واليسرى فمثلا إذا كان تردد الأذن الأولى 300 Hz والثانية 310 Hz سنحصل على نغمة أذنية ترددها 10 Hz.”

 

ماذا تقول الدراسات بشكل مختصر:

  • هذه الدراسة من سنة 2020 تشير إلى أن موجات دماغية بتردد 40 هرتز يمكن أن تساعدك على التعلم بشكل أسرع وبكفاءة أكبر.

  • دراسة اخرى من سنة 2015 وجدت نفس التأثير مثل زيادة الانتباه والتركيز.

  • دراسة ثالثة وجدت تأثيراً إيجابياً على تقليل القلق للمرضى في يوم العملية باستخدام تردد 10هرتز.

 

يمكنك التجربة والحكم بنفسك عن طريق برامجي المفضلة والمجانية التالية:

Noises Online

Binaural Beats 

 

5. استخدم الادرينالين:

إذا شعرت بالخوف الشديد في يوم من الأيام وشعرت بأن الوقت يمشي ببطء،  فهذا بسبب هرمونات يفرزها الجسم ولعل أشهرها الأدرينالين. تزيد هذه الهرمونات من اليقظة والتركيز بشكل كبير.

 

ليس هذا فقط، بل هي مهمة لتكوين ذكريات طويلة الأمد. فنحن نتذكر الأحداث السيئة والمؤلمة (مثل حادث سيارة حفظكم الله) التي تحصل لنا حتى الموت ويعتقد العلماء بأن السبب هو إفراز كميات كبيرة من الأدرينالين والنورأدرينالين والدوبامين.

 

ولكن كيف تستطيع أن تسخر هذا لتعزيز تركيزك؟

الاستحمام بالماء البارد قد يكون الحل كونه مصدر إجهاد للجسم بسبب انخفاض حرارة الجسم السريعة والصدمة وإطلاق هذه الهرمونات.

 

للمزيد اقرأ مدونتي هنا.

 

6. استعن بورقة:

قد يكون من الصعب التركيز في البداية ولكنها عضلة يمكن تقويتها. يمكنك التخيل بأن التركيز طريق مستقيم وفيه العديد من المحطات. هذه المحطات ليست سوى أفكار تخطر عليك وأنت تقوم بعملك و للتخلص منها والعودة على الطريق، أكتبها في ورقة أو دفتر خارجي لتعود اليها لاحقاً.

 

7. اخلق بيئة مناسبة:

قدرتنا على التركيز مرتبطة جدًا بمكان العمل! تخيل محاولة إنجاز مُهمة ما في غرفة مكتظة ومظلمة! 

 

الإضاءة الخافتة جدًا أو القوية جدًا تشتت الانتباه، وكذلك الحال مع درجة الحرارة غير المريحة. الأفضل هو العمل في مكان إضاءته طبيعية ودرجة حرارته معتدلة.

 

الضوضاء المستمرة مزعجة ومشتتة للانتباه، لذلك حاول العمل في مكان هادئ أو إستخدم سماعات إلغاء الضوضاء إذا اضطررت. حتى وجود الآخرين في نفس المساحة يمكن أن يشتت انتباهك، خاصةً إذا كان هناك الكثير من الكلام أو الحركة حولك.

 

8. الأساسيات:

تخيل أنك تحاول التركيز على مهمة صعبة وأنت متعب قليلًا ومعدتك فارغة ولم تمارس الرياضة منذ أيام! صعب، أليس كذلك؟ 

 

الدراسات أكدت أن تجاهل النوم والغذاء والرياضة يمكن أن يقلل من قدرتك على التركيز والانتباه بنسبة 30 إلى 50% على الأقل! 

 

الأطفال الذين يحصلون على أقل من 9 ساعات نوم ليلاً يعانون من ضعف في الذاكرة والتفكير والتركيز بنسبة تصل إلى 20% مقارنة بمن ينامون جيدًا. حتى البالغين الذين يعانون من قلة النوم يواجهون صعوبة أكبر في التركيز على المهام التي تتطلب انتباهًا دقيقًا. 

 

ممارسة الرياضة بانتظام تحسن التركيز والانتباه.

 

نقص الفيتامينات والمعادن والأحماض الدهنية الأساسية يؤثر سلبًا على التركيز والانتباه. كذلك، فإن الإكثار من الأطعمة المصنعة والسكريات والدهون غير الصحية يضعف التركيز

 

9. أخر حبة:

إذا تمكنت الالتزام بالنقاط الفائتة ولازال تريد زيادة تركيزك لأعلى حد فقد تكون المكملات الغذائية التالية مفيدة لك:

 

  • القهوة والشاي الأخضر.

  • شراب البهشية الباراغوانية (Yerba Mate)

  • كرياتين 5 جم يومياً.

  • الكولين 500 – 1000 جم يومياً.

  •  زيوت الاوميجا – 3 ( حوالي 1 – 3 جم من EPA يومياً)

  • جنكة بيلوبا.

  • لـ – تايروسين 500 ملجم صباحاً.

  • جانسنغ.

  • فلافونيد.

  • فيتامينات ب.

 

انا شخصياً استخدم اول 6 مكملات بشكل منتظم منذ فترة ورأيت نتائج جيدة حتى الآن. اذا اردت سلك هذه الطريق، فعليك استشارة طبيبك اولاً و تجربة كل مكمل على حدا وملاحظة تأثيره عليك قبل الاستثمار فيه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top