البلاستيك مادة لا نكاد نفلت منها في عالم اليوم. سواء في تغليف طعامنا أو الملابس التي نرتديها، أصبح البلاستيك جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية.
ولكن كلما زدنا اعتمادنا على هذه المادة متعددة الاستخدامات، كلما زدنا وعياً بجانبها المظلم. حتى أن بعض العلماء يقدرون بأننا نستهلك ما يعادل بطاقة مصرفية كل اسبوع من البلاستيك! والبعض الاخر ينفي هذا.
هذه الجسيمات الصغيرة، التي غالبًا لا تُرى بالعين المجردة، أصبحت مصدر قلق كبير بالنسبة لي في الفترة الاخيرة بشكل خاص بسبب بعض تأثيرها السلبي على الصحة الذي أظهرته بعض الدراسات الحديثة.
دعونا نغوص في دوامة نفايات المحيط الهادئ، ونفهم كيفية تعرضنا لها، ونستكشف المخاطر الصحية المحتملة، ونناقش طرق التخفيف من آثارها.
كيف بدأت القصة؟
هل تعلم بأن تصنيع البلاستيك بدأ بسبب لعبة البلياردو؟ نعم من هنا بدأت القصة في عام 1860 عندما تم استبدال العاج بالبلاستيك لصنع الكرات حفاظاً على أرواح الفيلة.
و مع بداية الحرب العالمية الثانية ازداد الاعتماد عليه و ليتفجر استخدامه بنسبة 300%! بعد نهاية الحرب توجه التصنيع من الأسلحة إلى المستهلك العادي والأدوات المنزلية لنصل الى ما نحن عليه اليوم.
ما هو الميكرو والنانو بلاستيك أساساً؟
الميكرو بلاستيك جزيئات صغيرة يقل حجمها عن 5 ملليمترات، بينما النانو بلاستيك أصغر حجمًا، حيث يقل قياسها عن 100 نانومتر.
تنشأ هذه الجسيمات اللعينة من مجموعة متنوعة من المصادر، بما في ذلك تحلل قطع البلاستيك الأكبر، ومستحضرات التجميل، وحتى الملابس.
المشكلة هنا أن البلاسيتك يعيش للابد و بسبب صغر حجم هذه الجزئيات، يمكن أن تسلل بسهولة إلى النظم البيئية، وشق طريقها إلى السلسلة الغذائية وفي نهاية المطاف إلى جسمي وجسمك.
أنها صغيرة لدرجة نفاذها عن طريق الجلد، الأمعاء وحتى المشيمة.
كيف نتعرض لها؟
لمحت الفقرة السابقة عن هذا ولكن دعني أُخبرك بأن الكابوس لا ينتهي هنا! فتعرضنا لهذه الجسيمات الصغيرة أكثر شيوعًا مما نعتقد.
تم العثور على الميكرو والنانو بلاستيك في الهواء الذي نتنفسه حيث وجد الباحثون بأن الهواء يعرضنا لبلاستيك بشكل أكبر من تناولنا للمأكولات البحرية.
ليس هذا فقط فالماء الذي نشربه كذلك! ووجد الباحثون في دراسة نشرت يناير 2024 أن لترًا واحدًا في المتوسط من المياه المعدنية المعبأة في زجاجات بلاستيكية يحتوي على 240,000 قطعة بلاستيكية يمكن ضبطها. حذراي، هذه ليست دعوة للتوقف عن شرب الماء بالتأكيد. الجفاف أشد خطورة على صحتك.
والطعام الذي نتناوله يعتبر مصدراً آخر كما تعلم. فقط انظر لهذه القائمة:
1. فواكه البحر و الأسماك: تُقَدِّر الدراسات أن المتوسط السنوي لاستهلاكنا للبلاستيك الدقيق من المأكولات البحرية هو حوالي 53,864 جزيئة للشخص الواحد.
2. الملح: الكيلوجرام الواحد من ملح البحر يمكن أن يحتوي على أكثر من 600 جزيئة من البلاستيك الدقيق. كما تُقَدِّر الدراسات أن المتوسط السنوي لاستهلاك الفرد البالغ هو حوالي 2,000 جزيئة من الملح فقط.
3. الفواكه والخضروات: يمكن أن تمْتَصّ بواسطة النباتات من خلال نظامها الجذري لتتواجد في أجزائها القابلة للأكل لتنتهي في بطني وبطنك.
4. أكياس الشاي: تحتوي أكثر من 95% من أكياس الشاي على بلاستيك، والذي يمكن أن يُطْلِق مليارات من جزيئات البلاستيك عند غليه.
5. الأطعمة المعلبة: تُبَطَّن العديد من العلب بالبلاستيك المحتوي على مادة البيسفينول (BPA)، والتي يمكن أن تُنْتِج جزيئات من البلاستيك الدقيق داخل الطعام.
6. الوجبات الجاهزة وتغليف الأطعمة: يمكن للبلاستيك الدقيق أن ينتشر من التغليف البلاستيكي المُستَخْدَم في العديد من الأطعمة المُصَنَّعَة والمُعَبَّأَة مُسْبَقًا.
7. منتجات العناية الشخصية: تبين أن مستحضرات التجميل المفضلة لديك، مثل المكياج واللوشن والشامبو، قد تحتوي على بلاستيك دقيق (تشير الأبحاث إلى أن 87٪ من العلامات التجارية الكبرى تحتوي عليها)!
8. الملابس: يؤدي غسل الأقمشة الصناعية مثل البوليستر والنايلون إلى إطلاق ألياف دقيقة، مما يزيد من التلوث.
9. في المنزل: حتى أدوات المطبخ البلاستيكية والأواني والعبوات يمكن أن تكون مصدرًا خفيًا.
10. على الطريق: يؤدي تآكل الإطارات إلى تكوين جزيئات بلاستيكية دقيقة تلوث البيئة.
المخاطر الصحية
نظرًا لصغر حجمها، يمكن أن تتغلغل الجسيمات البلاستيكية عبر أغشية الخلايا البشرية لتسبب العديد من المشاكل التي لم نفهم معظمها حتى الآن.
البحث لا يزال جارياً ولكن مع هذا يعتقد العلماء أن النانو البلاستيك قد يكون له تأثيرات صحية عن طريق الآليات التالية بحسب هذه الدراسة:
الالتهاب
الإجهاد التأكسدي
تلف الحمض النووي
اضطرابات الغدد الصماء
اذا لم يكن هذا كافياً، سأزيدك من الشعر بيت! ففي دراسة نشرت الشهر الماضي في مجلة الطب البريطانية لتحدث ضجة في وسائل الإعلام. وجدت ارتباط وثيق بين تصلب الشرايين والنانو بلاستيك.
تم العثور على البلاستيك في حوالي 60% من المرضى داخل ترسباتهم الشريانية.
الترسبات التي تحتوي على النانو بلاستيك زادت المعدل بمقدار 4.5 مرات للإصابة بأزمة قلبية، السكتة الدماغية، أو الوفاة.
جلطات القلب تُعتبر العدو و السبب رقم واحد للوفاة حول العالم. هل يمكن أن يكون استخدامنا للبلاستيك عامل إضافي في الزيادة الرهيبة لهذا المرض في آخر 100 سنة؟
كيفية تجنبها؟
قد يكون تجنب البلاستيك مستحيل مثل تجنب الموت ولكن هناك خطوات يمكننا اتخاذها لتقليل تعرضنا له:
أوّلًا، حاول اختيار الملابس المصنوعة من مواد طبيعية كالقطن والحرير والصوف.
ثانيًا، قلّل من استخدام البلاستيك أحادي الاستخدام كالأكياس. استخدم بدلاً منها زجاجات مياه وأكياس تسوُّق قابلة لإعادة الاستخدام.
ثالثًا، حاول التَّسوُّق في الأسواق المحلية والاعتماد على الأطعمة الطازجة وتجنب أكياس الشاي أو إفراغ محتواها على الأقل. فهذا يقلل من التعرُّض للبلاستيك المستخدم في التغليف.
رابعًا، استخدم المواصلات العامة بدلاً من سياراتك الخاصة. فذلك يساعد على تقليل انتشار المطاط والتلوُّث البلاستيكي.
خامسًا، ابحث عن مستحضرات التجميل الخالية من البلاستيك كالكريات الدقيقة في منتجات التقشير، واختر المنتجات الصديقة للبيئة.
سادسًا، غيّر طريقة غسيل ملابسك. ركِّب فلترًا في غسَّالتك لالتقاط الجسيمات البلاستيكية، أو اغسل ملابسك باليد وعلِّقها للتجفيف.
سابعًا، كن حذرًا من استنشاق الجسيمات البلاستيكية الدقيقة في الهواء. استخدم مرشِّحات وفلاتر الهواء المنزلية وتجنَّب المناطق شديدة التلوُّث.
وأخيرًا، حافظ على اطلاعك بآخر الأبحاث والتطوُّرات في هذا المجال، ودافع من أجل سياسات وممارسات تُقلِّل من تلوُّث البلاستيك وتحمي صحتك.
الهدف ليس بث الرعب في قلوب القراء بل العكس تماماً. نشر الوعي كان وسيكون هدفي لتستطيع المرة القادمة من اتخاذ قرارات مبنية معلومات صحيحة لتحمي نفسك وعائلتك.
شكرا لوقتك وقراءتك
كل الحب التقدير
💌