علم النوم معقد رغم بساطة الفعل. النوم، هذا العمل البسيط والضروري الذي نقوم به يوميًا أثناء الليل، يحمل في طياته أهمية كبيرة لصحتنا وجودة الحياة. فالنوم ليس مجرد فترة نقضيها في سريرنا، بل هو عملية أساسية لاستعادة القوة وإعادة ترتيب أفكارنا وتجديد طاقتنا.
أدركت أهمية النوم بعد أن بدأت العمل ليلا في إحدى الصيدليات في مدينتي. كان دوام العمل من الساعة السادسة مساءا إلى الساعة التاسعة صباحا في اليوم التالي.
قبل هذا كنت أسهر بين الحين والآخر ولكن حتما ليس لصباح اليوم التالي وإن كان, فلم يكن إلا ليوم واحد وتعود الأمور لمجراها الطبيعي بعد ذلك.
أتمنى ألا يقرأ صاحب العمل هذه الجمل و لكن كنت أسرق بعض ساعات النوم إذا لم يكن هناك زبائن ولكن هذا لم يكن كافيا. أول الأيام لم يكن هناك العديد من المشاكل, جرت الأمور بشكل جيد إلى حد ما. صداع خفيف هنا وتعب هناك ولكن ليست بالتحديات التي ستوقفني خصوصا مع وجود القهوة.
من الأسبوع الثاني بدأ التعب بالتراكم وظهرت أعراض قلة النوم والتركيز بدأ ينعدم و المزاج يتعكر حيث أصبحت عصبيا وهذا خارج المألوف لمن يعرفني بشكل شخصي.
في تلك الفترة أصبح الروتين, العمل في الليل والنوم في النهار ولم استطع ممارسة هواياتي أو حتى قضاء وقت ممتع مع العائلة والأصحاب. ما الهدف من الحياة إذا كنت سأعيش هكذا؟
الحمد لله كان الاتفاق أن اعمل شهرا واحدا فقط وحصلت على مرتب لابأس في ذلك الوقت! لكن ما الثمن؟ بعد هذا الشهر العصيب عرفت أهمية النوم وأنه ليس وسيلة فقط للراحة بل هو حجر الزاوية لصحتنا النفسية و الجسدية.
في هذه المدونة أريد شرح ماهو النوم و لماذا ننام أساسا سأحاول شرح أساسيات النوم ليكون لدينا قاعدة جيدة للمقالات القادمة.
سننزلق معًا إلى أعماق النوم العميق ونكتشف سرّه وكيفية تحقيقه بسهولة لنحقق صحة جيدة وحياة مريحة. سنكتشف النصائح والأسرار التي ستساعدك على النوم العميق والاستفادة القصوى منه.
ما هو النوم؟
النوم هو حالة طبيعية من الوعي المنخفض، تتميز بانخفاض معدل ضربات القلب والتنفس ودرجة حرارة الجسم طوال الليل. خلال النوم، يحدث العديد من التغييرات الجسدية والعقلية التي تساعد على إصلاح الجسم وتجديده. قد تبدو هذه الكلمات واضحة ولا تحتاج لمن يقولها لك ولكن صبرك!
مراحل النوم:
بحسب باحثين علم النوم في ليلة نوم عادية (8-9 ساعات) نمر ب 4-5 دورات نوم و كل دورة تتكون من أربع مراحل فردية. يمكن تقسيم هذه المراحل إلى فئتين بناء على حركة العين أثناء النوم:
1- فئة حركة العين السريعة (Rapid Eye Movement) أو باختصار REM.
2- فئة حركة العين الغير سريعة (Non-rapid Eye Movement) أو باختصار Non-REM.
تتكون المراحل الثلاث الأولى من النوم من نشاط حركة العين الغير سريعة. المرحلة الأولى قصيرة، وتمثل عملية الغفوة والخلود إلى النوم.
في المرحلة الثانية، يتباطأ الجسم والعقل عندما تستقر في النوم. من السهل أن تستيقظ خلال هاتين المرحلتين الاولتين.
في المرحلة الثالثة، والمعروفة أيضًا بالنوم العميق، يكون الجسم في وضع التعافي و يتباطأ بشكل أكبر. وفي الوقت نفسه، يتباطأ نشاط الدماغ الإجمالي ويظهر نمطًا واضحًا من نبضات النشاط التي يعتقد أنها تساعد في منعنا من الاستيقاظ.
المرحلة الرابعة هي نوم حركة العين السريعة. خلال فترات حركة العين السريعة، يعود نشاط الدماغ إلى مستويات مشابهة لما كانت عليه عندما تكون مستيقظًا – وهو ما يفسر سبب ارتباط حركة العين السريعة بالأحلام.
وبينما يزداد التنفس ومعدل ضربات القلب أثناء نوم حركة العين السريعة، تصاب معظم العضلات بالشلل، مما يمنعنا من تمثيل تلك الأحلام في الواقع.
كم تستغرق كل دورة نوم؟
تستغرق كل دورة نوم ما بين 70 إلى 110 دقيقة. يمر الإنسان في دورات النوم الأولى في الليل، يتم قضاء المزيد من الوقت في مرحلة نوم حركة العين الغير سريعة.
تحدث غالبية نوم حركة العين السريعة خلال النصف الثاني من الليل. لهذا السبب من الصعب علينا الشعور بالنشاط بعد قضاء 5 ساعات نوم على سبيل المثال لأن الجسم لم يمر بما يكفي من دورات النوم العميقة (نوم حركة العين السريعة) .
ماذا يحدث لعقلك وجسمك أثناء النوم؟
في حين أن فوائد النوم و الدور البيولوجي له لا يزال غير مفهوم تمامًا، إلا أن الأبحاث توضح أنه يعزز القلب والأوعية الدموية والمناعة ويساعد على تنظيم عملية التمثيل الغذائي. ما يحدث فترات النوم يمكن رؤيته في التغيرات الملحوظة في العمليات الجسدية الأساسية.
عملية التنفس
يتباطأ التنفس أثناء مرحلة نوم حركة العين الغير سريعة، ويصل التنفس إلى أدنى معدلاته أثناء مرحلة النوم العميق الثالثة. يتسارع التنفس وقد يصبح غير منتظم أثناء نوم حركة العين السريعة.
القلب
كما هو الحال مع التنفس، يبدأ معدل ضربات القلب في التباطؤ خلال المرحلة الأولى ويصل إلى أبطأ وتيرة له خلال المرحلة الثالثة. ومن ناحية أخرى، أثناء نوم حركة العين السريعة، يتسارع النبض إلى نفس المعدل تقريبًا عند الاستيقاظ.
العضلات
تسترخي العضلات تدريجيًا خلال كل مرحلة من مراحل النوم حركة العين الغير سريعة، وينخفض إجمالي إنفاق الجسم للطاقة. خلال مرحلة حركة العين السريعة، تصاب معظم العضلات بالشلل في حالة تعرف باسم الاتونيا (Atonia). وهذا يمنع الساقين والذراعين من الحركة استجابةً لمحتوى الحلم (الحمد لله!).
ومع ذلك، تظل عضلات الجهاز التنفسي وعضلات العين نشطة، كما أن تحرك العينين خلف الجفون المغلقة هو مصدر الإلهام لاسم نوم حركة العين السريعة كما ذكرت سابقا.
نشاط المخ
علم الأعصاب يظهر أنشطة مختلفة للدماغ أثناء النوم عن طريق تخطيط الكهرباء الدماغية (EEG)، تظهر موجات الدماغ أنماطًا واضحة مرتبطة بكل مرحلة من مراحل النوم.
في المرحلة الأولى من مرحلة حركة العين الغير سريعة، تتباطأ موجات الدماغ بشكل كبير؛ ومع ذلك، في المرحلة الثانية والثالثة، يوجد العديد من الاندفاعات السريعة لنشاط الدماغ.
في نوم حركة العين السريعة أو المرحلة الرابعة، يتسارع نشاط الدماغ، مما يظهر أنواعًا مختلفة من موجات الدماغ.
يُعتقد أن نوم حركة العين السريعة يمكّن القدرات المعرفية المهمة لدينا، بما في ذلك تعزيز الذاكرة وتعلم مهارات جديدة، ولكن يُعتقد أيضًا أن نوم حركة العين الغير سريعة، حتى مع انخفاض نشاط الدماغ، يلعب دورًا في تسهيل وظائف الدماغ أثناء الاستيقاظ.
حقيقة أثناء النوم, يتم تخزين المعلومات من الذاكرة قصيرة المدى إلى الذاكرة طويلة المدى في منطقة تسمى بالحصين (Hippocampus)! لا تسهر للدراسة فهذا يأتي بنتائج عكسية.
الأحلام
يكون الحلم أكثر انتشارًا وكثافة أثناء نوم حركة العين السريعة، ولكنه يمكن أن يحدث أثناء أي مرحلة من مراحل النوم ومع ذلك، فإن الأحلام التي تحدث أثناء نوم حركة العين غير السريعة وحركة العين السريعة تميل إلى إظهار أنماط مختلفة.
في أثناء الحلم غالبًا ما تكون أحلام حركة العين السريعة أكثر خيالية أو غرابة ويصعب تفسيرها لمحبي تفسير الأحلام .
الهرمونات
يلعب النوم والساعة الداخلية للجسم، أو إيقاع الساعة البيولوجية، دورًا مهمًا في تنظيم إنتاج العديد من الهرمونات. مثل:
الميلاتونين أو هرمون الظلام، الذي يتم إفرازه مع غروب الشمس و يساعد على النوم.
هرمون النمو، الذي يدعم نمو العظام والعضلات وكذلك عملية التمثيل الغذائي.
الكورتيزول، وهو جزء من نظام الاستجابة للتوتر في الجسم ضمن وظائف عديدة أخرى.
اللبتين و الجريلين، اللذان يساعدان في تنظيم والسيطرة على الشهية.
تتقلب مستويات الهرمونات خلال مراحل النوم المختلفة، وقد تؤثر نوعية وجودة النوم أيضًا على إنتاج الهرمونات أثناء النهار.
كما قرأت في المدونة, النوم يلعب دورا مهما في جميع أجهزة الجسم و إهماله سيؤدي إلى عواقب وخيمة قد تصل إلى الموت اذا استمر السهر لأيام متواصلة.
الملخص:
النوم هو عملية أساسية لصحتنا وجودة حياتنا. يتميز النوم بأربع مراحل رئيسية، بدءًا من النوم الخفيف وصولًا إلى النوم العميق ونوم حركة العين السريعة، حيث يحدث تغيير في نشاط العقل والجسم خلال كل مرحلة.
أهمية النوم تظهر في تأثيره على التنفس ومعدل ضربات القلب والعضلات ونشاط الدماغ. النوم يلعب أيضًا دورًا في تنظيم هرمونات الجسم، بما في ذلك هرمون النمو والميلاتونين.
الحلم هو جزء من النوم ويتكرر بشكل أكثر تواترًا خلال نوم حركة العين السريعة، وقد تكون أحلام حركة العين السريعة أكثر غموضًا وتفصيلًا.
النوم يلعب دورًا حاسمًا في ترتيب الذاكرة والاستفادة من المعلومات التي نتعلمها أثناء النهار. لذا، ينبغي علينا أن نولي النوم الاهتمام الكافي ونتجنب السهر المفرط، حيث يمكن أن يؤدي الإهمال في النوم إلى تأثيرات سلبية على صحتنا.
