مؤخراً زدات الضجة عن التعرض للبرد المقصود سواء عن طريق الاستحمام البارد أو الغمس فيه (Cold Plunge) وما يقدمه من فوائد عديدة للجسم. في هذه المدونة سأقوم بالتركيز على الاستحمام بالماء البارد لنظراً لتجربتي معه وتوفره للجميع.
دأئماً تقول أمي “دفي روحك” أو “لا تستحم بالماء المصقع” معتقدة بأن البرد هو سبب الأمراض ولابد بأنك سمعت هذا من قبل فهذه الخرافة منتشرة في العالم بأسره. لكن ما صحة هذا القول؟ (العكس صحيح، تابع القراءة)
تجربتي مع الماء البارد بدأت بمحض الصدفة منذ سنوات عديدة عندما كنت اذهب لجيم قريب من المنزل وكانت سخانة الماء لا تعمل احياناً أو تنقطع الكهرباء أحياناً اخرى. كنت مجبراً على الاستحمام بالماء البارد والعودة مشياُ على الأقدام في شتاء ليبيا الدافئ.
في الحقيقة، الأمر لم يكن سيئاً ولم أمرض على خلاف المعتقد الشائع ولكني لا أتذكر بأني شعرت بالفوائد التي اسمع عنها الآن. قبل سنتين تقريباً، أُجبرت من جديد على الاستحمام بالماء البارد ولكن هذه المرة في ألمانيا وبردها القارس.
كانت هناك مشكلة في سخانة الماء (نعم من جديد) وصاحبة المنزل لم تكن متعاونة. فاضطررت لتحمل عذاب الماء البارد ولكن هذه المرة كنت منتظراً الفوائد.
قد يكمن الفرق هنا لحصول الفائدة. الدماغ سيحاكي ما تصدقه وإن لم يكن حقيقة (Placebo Effect). بعد الرياضة الصباحية كنت استحم بالماء البارد الذي كونت معه علاقة حب وكره.
من ناحية تشعر بالصدمة وتريد الخروج بسرعة ومن ناحية أخرى تعلم بأن هذا ما تريد وعليك التحمل. سيبدأ القلب بالنبض بسرعة ويزداد معدل التنفس وعمقه وتبدأ في الرجف وهنا يحاول الجسم زيادة درجة حرارة جسمك عن طريق زيادة الأيض.
قد تبدأ بالشتم ايضاً هنا متحملاً الالم الذي تمر به ولكن بعد مرور دقائق قليلة سيبدأ جسمك بالاعتياد. لقد لاحظت الاتي بعد خروجي من الحمام:
زيادة التركيز. في تلك الفترة كنت أدرس طوال اليوم وكنت استخدم كل الوسائل الممكنة لزيادة التركيز.
زيادة التحمل الذهني. كنت أجلس لساعات طويلة ولاحظت قدرتي على التركيز لفترات أطول.
تحسين المزاج. لقد كنت مستعداً لليوم وما يحمله من تحديات.
الشعور بالنشوة. هذا الشعور يصعب شرحه في كلمات ولكن يمكن شرحه كميائياً. ستفهم كلامي بعد قليل.
زيادة تحملي للبرد. لاحظت بأن العديد من حولي يشكي من البرد ولم أكن كذلك.
ما التغيرات التي تحدث للجسم بعد استخدام الماء البارد؟
سأقوم بتقسيم التغيرات التي تحدث للجسم على 3 مراحل كالاتي:
الاستجابة الفورية:
الرجف: هي آلية دفاعية طبيعية للجسم لتوليد الحرارة. حيث تبدأ العضلات في الرجف بسرعة لحرق سعرات حرارية، مما يساهم في الادعاءات المحتملة بحرق الدهون.
التضيق الوعائي: تنقبض الأوعية الدموية في الجلد، ويتم توجيه الدم إلى الأعضاء الحيوية للحفاظ على حرارة الجسم الداخلية. وهذا يفسر سبب شحوب البشرة وتنميلها.
زيادة معدل ضربات القلب والتنفس: يعمل جسمك بجد أكبر للحفاظ على درجة حرارة الجسم الأساسية، مما يؤدي إلى هذه التغييرات.
التغييرات الهرمونية:
هرمونات الإجهاد: قد ترتفع مستويات الأدرينالين والكورتيزول في البداية بسبب صدمة البرد. وهذا قد يفسر النشاط والتحسن المزاج الذي ذكرت في البداية.
الإندورفين: قد يتم إطلاق هذه الهرمونات استجابة للإجهاد ولابد بأنك قد شعرت بنشوة غامرة بعد نشاط رياضي مكثف من قبل. أنه نفس الشعور تماماً ويعتقد بأن الاندورفين وراءه.
زيادة نشاط الدهون البنية: تعمل الدهون البنية على حرق السعرات الحرارية لتوليد الحرارة، وتشير بعض الدراسات إلى أن التعرض للبرد ينشطها. وهذا قد يساهم في زيادة التمثيل الغذائي وتحمل البرد. الأمر هنا ليس محسوم بعد ويحتاج لمزيد من البحث.
التكيفات طويلة المدى:
تحسين الدورة الدموية: قد يؤدي التعرض للبرد بانتظام إلى تحسين و تنظيم تدفق الدم، مما يعود بالنفع على صحة القلب والأوعية الدموية.
تحسين وظيفة الجهاز العصبي: تشير بعض الأبحاث إلى أن التعرض للبرد يمكن أن يقوي الجهاز العصبي الباراسمبثاوي، المسؤول عن الاسترخاء.
زيادة تحمّل البرد: مع التعرض المنتظم، قد يتكيف جسمك مع الماء البارد بشكل أكثر فعالية، مما يقلل من استجابة الصدمة الأولية.
ليس هذا فقط، أشارت دراسة من 2016 إلى أن أخذ حمامات باردة لمدة 30 يومًا قد يقلل إجازات المرض لدى البالغين الأصحاء، لكن ليس لعدد المرات الإجمالي للمرض.
تم تقسيم المشاركين إلى 4 مجموعات:
3 مجموعات تأخذ حمامات باردة لمدة 30، 60، 90 ثانية على التوالي، ومجموعة رابعة تتحمم بشكل عادي.
المقياس الرئيسي كان عدد إجازات المرض من العمل.
أظهرت المجموعة التي أخذت حمامات باردة لمدة 30 ثانية انخفاضًا بنسبة 29% في أيام إجازة المرضية مقارنة بالمجموعة الضابطة.
لم يكن هناك فرق كبير في إجمالي عدد أيام المرض بين المجموعات.
وفي دراسة أخرى بحثت تأثير الاستحمام البارد على الاكتئاب وكانت الطريقة كالاتي:
الاستحمام بماء بارد (20 درجة مئوية) لمدة 2-3 دقائق مع مقدمة لمدة 5 دقائق للتأقلم وتقليل الصدمة.
يمكن تكرار ذلك مرة أو مرتين يومياً لعدة أسابيع أو شهور.
أظهرت النتائج فعالية العلاج في تخفيف أعراض الاكتئاب وآلام الجسم دون تأثيرات جانبية واضحة. ويعتقد بأن السبب تنشيط الجهاز العصبي الودي وزيادة مستوى هرمون النورأدرينالين ونشاطه بالدماغ. يحتاج الموضوع إلى بحث أكثر لتأكيد النتائج.
كما قرأت يوجد العديد من الفوائد المحتملة للاستحمام بالماء البارد واليك بعض الخطوط العريضة اذا اردت تتبع هذا البروتوكول:
يجب أن تكون حرارة الماء بين 10 – 15 درجة مئوية.
التعرض للماء البارد يجب أن يكون فترة قصيرة بين 2 – 3 دقائق لمجموع 11 دقيقة في الأسبوع.
يمكن البدء بالماء الدافئ وتكملة الحمام بالماء البارد.
ابدأ ببطء وفترات قصيرة من 10-20 ثانية حتى تصل لدقيقتين أو ثلاث.
ركز على التنفس للتحكم في الصدمة والبقاء هادئاً.
إذا كنت تعاني من أي أمراض مزمنة مثل فشل القلب، السكري أو مشاكل في التنفس تأكد من استشارة طبيبك قبل التجربة.
الخلاصة:
الاستحمام بالماء البارد له فوائد محتملة عديدة :
زيادة التركيز والتحمل الذهني.
تحسين المزاج والشعور بالنشوة.
زيادة تحمّل البرد.
تحسين الدورة الدموية.
تحسين وظيفة الجهاز العصبي.
تقليل الاجازات المرضية.
تخفيف أعراض الاكتئاب.
طريقة الاستحمام بالماء البارد:
حرارة الماء بين 10 – 15 درجة مئوية.
التعرض للماء البارد لمدة 2-3 دقائق.
يمكن البدء بالماء الدافئ وتكملة الحمام بالماء البارد.
ابدأ ببطء وفترات قصيرة من 10-20 ثانية حتى تصل لدقيقتين أو ثلاث.
ركز على التنفس للتحكم في الصدمة والبقاء هادئاً.