سر النجاح الخفي، لقد سمعنا جميعًا المقولة بالعامية “كل توخيرة فيها خيرة”، ولكن في عالمنا سريع الوتيرة الذي يسعى للإشباع الفوري، أصبح من النادر بشكل متزايد أن نجد أشخاصًا يجسدون هذا المبدأ حقًا.
ومع ذلك، فإن القدرة على تأجيل الإشباع قد تكون القوة الخفية السرية التي تفصل الناجحين للغاية عن الباقين. كطالب طب كان علي امتلاك هذه المهارة شئتُ أم أبيت.
فقد درست مرتين أطول من باقي التخصصات كما بذلت مجهود دراسي أكبر وهذا ليس للتصغير من أهمية التخصصات الأخرى بل لضخامة وأهمية هذه المهنة النبيلة.
مع هذا في ذلك الوقت لم أدرك عِظم هذه المهارة إلا بعد بدايتي تعلمي اللغة الألمانية و تعلم الطب من جديد! باختصار الطريق كانت طويلة للوصول الى ما وصلت إليه الآن وأنا في أتم الرضا ولله الحمد.
الالتزام بنمط حياة صحي سيفرض عليك امتلاك هذه المهارة ايضاً! أريد المحافظة على صحتي أطول فترة ممكنة و “شبه” كل المغريات والمتع الحالية لا تستهويني في عالم ملئ بالمتع اللحظية.
ابقى مجرد إنسان في النهاية واتعثر كغيري على الطريق لكن الاستمرار هو ما يفرق بين النجاح والفشل.
يكفي الحديث عن نفسي و دعونا نتعمق في ماهية تأجيل الإشباع، ولماذا هذه المهارة قوية للغاية و سر النجاح، وكيف استخدمه بعض الأفراد الأكثر نجاحًا في العالم لتحقيق العظمة.
ما هو تأجيل الإشباع؟
تأجيل الإشباع هو القدرة على مقاومة إغراء المكافأة الفورية لصالح مكافأة لاحقة، غالبًا ما تكون أكبر أو أكثر دوامًا. إنه يتعلق بامتلاك ضبط النفس لقول “لا” للمتعة الفورية من أجل المكسب على المدى الطويل.
فكر في الأمر كاستثمار في ذاتك المستقبلية.
إذا فكرت في الأمر حتى من الناحية الدينية، فنحن كمسلمين محاطين بجميع أنواع المعاصي والخطايا التي تريد جذبنا في كل ثانية ومع هذا نحاول الابتعاد عنها، نخطئ ونتوب ونعاود السير على الطريق المستقيم لنيل رضا الله سبحانه والفوز بالجنة.
العلم وراء القوة الخارقة
اكتسب مفهوم تأجيل الإشباع اهتمامًا واسعًا من خلال تجربة “المارشميلو” الشهيرة التي أجراها البروفيسور والتر ميشيل من جامعة ستانفورد في الستينيات.
في هذه الدراسة، تم منح الأطفال خيارًا:
تناول قطعة مارشميلو واحدة الآن، أو الانتظار لمدة 15 دقيقة والحصول على قطعتين. ثم تابع الباحثون هؤلاء الأطفال حتى مرحلة البلوغ.
كانت النتائج مذهلة. الأطفال الذين تمكنوا من تأجيل الإشباع والانتظار للحصول على قطعة المارشميلو الثانية انتهى بهم الأمر ليكونوا أكثر نجاحًا في جميع مجالات الحياة تقريبًا.
حصلوا على درجات أعلى في الاختبارات الموحدة، وتمتعوا بمهارات اجتماعية أفضل، واستجابوا بشكل أفضل للتوتر، وحتى كان لديهم مشاكل أقل في تعاطي المواد المخدرة.
هذه الدراسة مهمة وأحدثت العديد المناقشات في الوسط العلمي ويجب العلم بأنها تعاني من نقاط ضعف عدة لعل أهمها صغر حجم العينة، تضخيم نتائجها وفشل تكرار نتائجها عن طريق دراسات أخرى.
لماذا يعتبر تأجيل الإشباع قوة خارقة؟
يبني ضبط النفس
تأجيل الإشباع هو في الأساس تمرين في ضبط النفس. من خلال مقاومة الإغراءات الفورية، نقوي عضلة الإرادة لدينا إذا صح التعبير. ينتشر ضبط النفس المتزايد هذا في مجالات أخرى من الحياة، مما يساعدنا على اتخاذ قرارات أفضل والتمسك بأهدافنا طويلة المدى.
يؤدي إلى اتخاذ قرارات أفضل
عندما لا نكون مدفوعين بالحاجة إلى الإشباع الفوري، يمكننا اتخاذ قرارات أكثر عقلانية ومدروسة جيدًا. نحن قادرون على النظر في العواقب طويلة المدى لأفعالنا بدلاً من مجرد المتعة الفورية.
يعزز تحقيق الأهداف
تأجيل الإشباع أمر حاسم لتحقيق الأهداف طويلة المدى. سواء كان الأمر يتعلق بالادخار للتقاعد، أو فقدان الوزن، أو بناء عمل تجاري ناجح، فإن جميع الإنجازات الكبيرة تتطلب القدرة على التخلي عن الملذات الفورية من أجل المكافآت المستقبلية.
يحسن الصحة النفسية
أظهرت الدراسات أن الأفراد القادرين على تأجيل الإشباع يميلون إلى التمتع بصحة نفسية أفضل ولعل السبب حفاظهم أهدافهم الصحية لفترة أطول من غيرهم. غالبًا ما يكونون أكثر استقرارًا عاطفيًا وأفضل تجهيزًا للتعامل مع التوتر والتحديات.
يعزز النجاح الأكاديمي والمهني
ترتبط القدرة على تأجيل الإشباع ارتباطًا قويًا بالتحصيل الأكاديمي. الطلاب الذين يمكنهم مقاومة الملهيات والتركيز على دراستهم يميلون إلى الأداء بشكل أفضل. تنتقل هذه المهارة أيضًا إلى النجاح المهني، حيث تمكن الأفراد من العمل بجد والمثابرة على مواجهة التحديات.
قصص نجاح: تأجيل الإشباع في العمل
دعونا نلقي نظرة على بعض الأمثلة الواقعية لكيفية أدى تأجيل الإشباع إلى نجاح استثنائي:
وارن بافيت:
يشتهر “عراف أوماها” باستراتيجيته الاستثمارية طويلة المدى. بدلاً من السعي وراء الأرباح السريعة، اختار بافيت باستمرار الاستثمار في الشركات ذات الأسس القوية والاحتفاظ بهذه الاستثمارات لسنوات أو حتى عقود.
هذا الصبر والاستعداد لتأجيل الإشباع جعله واحدًا من أغنى الناس في العالم.
ليبرون جيمس:
قبل أن يصبح نجمًا في دوري كرة السلة الأمريكي للمحترفين، قضى جيمس ساعات لا تحصى في التدريب وصقل مهاراته. لقد أجل الإشباع الفوري المتمثل في قضاء الوقت مع الأصدقاء أو الاسترخاء للاستثمار في نجاحه المستقبلي.
ج.ك. رولينج:
قضت مؤلفة سلسلة هاري بوتر سنوات في كتابة كتابها الأول بينما كانت تعاني من صعوبات مالية. لقد أجلت الإشباع الفوري لوظيفة مستقرة لمتابعة شغفها بالكتابة، مما أدى في النهاية إلى نجاح مذهل.
هذه أمثلة قد تكون متطرفة وليس الكل سيصبح غني مثل بافيت أو رياضي رفيع الطراز من لايبرون! لنأخذ العبرة والإلهام من قصص نجاح كهذه للاستمرار في كتابة قصة نجاحنا.
كيفية تطوير هذه القوة الخارقة
الآن بعد أن فهمنا قوة تأجيل الإشباع، كيف يمكننا تطوير هذه المهارة؟
ابدأ بالقليل:
ابدأ بأعمال صغيرة من تأجيل الإشباع، مثل الانتظار 5 دقائق إضافية قبل التحقق من هاتفك.
تخيل المكافأة المستقبلية:
عندما تضعف أمام متعة لحظية، تخيل بوضوح الفوائد المستقبلية للانتظار.
مارس اليقظة الذهنية:
يمكن أن تساعدك اليقظة الذهنية على أن تصبح أكثر وعيًا بدوافعك وأكثر قدرة على التحكم فيها.
حدد أهدافًا واضحة:
وجود أهداف واضحة طويلة المدى يمكن أن يجعل من السهل مقاومة الإغراءات قصيرة المدى.
قم بإنشاء بيئة داعمة:
أحط نفسك بأشخاص يقدرون أيضًا النجاح على المدى الطويل أكثر من المتعة قصيرة المدى.
تحقيق التوازن
في حين أن تأجيل الإشباع قوي بلا شك، من المهم تحقيق التوازن. الحياة مخصصة للاستمتاع، وهناك قيمة في الاستمتاع باللحظة الحاضرة أيضًا. المفتاح هو إيجاد التوازن الصحيح بين الاستمتاع الفوري والإشباع على المدى الطويل.
في الختام، تأجيل الإشباع هو بالفعل قوة خفية خارقة. إنها مهارة يمكن أن تؤدي إلى نجاح أكبر، وصحة أفضل، وعلاقات أكثر جودة.
من خلال فهم أهميتها والعمل بنشاط على تطوير هذه القدرة، يمكننا تهيئة أنفسنا للنجاح والرضا على المدى الطويل في جميع مجالات الحياة. تذكر، الأشياء الجيدة حقًا تأتي لأولئك الذين ينتظرون – ويعملون بجد!
شكرا لوقتك وقراءتك
كل الحب التقدير
💌
المصادر: