الشمس : صديق أم عدو؟

لم يكن للنظر إلى الشمس على مر التاريخ نفس المعنى الذي نراه اليوم. ففي الماضي البعيد، كانت الحضارات القديمة تنظر إلى قرص الشمس الساطع بإجلال، واعتبرته مصدرًا للحياة والدفء والقوة.

 

الفراعنة كان لديهم را اله الشمس والاغريق لديهم أبولو إله الضوء والشفاء وفي الإسلام الشمس لها دور كبير في تنظيم حياتنا وعبادتنا حيث نتبع شروق الشمس وغروبها لتحديد وقت الصلوات وغيرها من العبادات.

 

 لكن مع تطور العلم الحديث، تغيرت علاقتنا مع الشمس بشكل جذري. يعود التحول الكبير في نظرتنا للشمس إلى أواخر القرن العشرين تقريبًا، حيث بدأت الدراسات تشير إلى وجود صلة بين التعرض لأشعة الشمس وارتفاع معدلات الإصابة بسرطان الجلد وغيره من المشاكل الصحية.

 

ومنذ ذلك الحين، لم يعد بإمكاننا تجاهل هذه المخاطر، وأصبحنا نتعامل مع أشعة الشمس بحذر أكبر، مع إدراكنا لأهميتها في الوقت ذاته.

 

ولكن وفقًا لتقرير منظمة الصحة العالمية لعام 2006 بعنوان “عبء الأمراض العالمية الناجم عن الأشعة فوق البنفسجية“، فإن التعرض المفرط للأشعة فوق البنفسجية لا يُشكل سوى 0.1% من إجمالي عبء الأمراض العالمي المُقاس بوحدة سنوات العمر المعدلة بحسب الإعاقة (DALYs).

 

تقيس هذه الوحدة مدى انخفاض قدرة الشخص على العيش حياة صحية بسبب الوفاة المبكرة أو الإعاقة الناجمة عن المرض. 

 

إذا كانت الشمس مسؤولة فقط عن جزء صغير من الأمراض، لماذا يتم محاربتها؟ كم مرة سمعت من أمك بأن عليك الدخول والاحتماء من الشمس؟ أنا شخصياً سمعتها مئات المرات من اهلي.

 

كما يوجد لدينا خرافة في ليبيا بأسم “عزوز القايلة” أو “عجوز الظهيرة” بالفصحى. حيث تقوم هذه العجوز بضرب وخطف الأطفال وما هي إلا قصة اختلقها الكبار لتخويف المزعجين الصغار من اللعب وقت الظهيرة تحت أشعة الشمس الحارقة. 

 

يبدو بأن العجوز الشجاعة لا تخاف من الشمس مثل البقية. 

 

اليوم اود استعراض بعض العلم الحديث وذكر اهمية و بروتوكول التعرض للشمس باعتدال لجني فوائد للصحة الجسدية والنفسية بشكل مجاني حتى ولو كنت في السجن.

فوائد أشعة الشمس

 

تصنيع فيتامين د:

المعلومة الاكثر انتشاراً والاقل تطبيقاً. تسأل لماذا؟

 

في جميع أنحاء العالم، يعاني ما بين 5 إلى 18% من انخفاض مستوى فيتامين د، والذي يقل عن 25-30 نانومول/لتر. 

 

وتصل هذه النسبة إلى 24-49% ممن لديهم مستويات أقل من 50 نانومول/لتر.

 

التعرض لأشعة الشمس يحفز إنزيمات معينة في الجلد لصنع الفيتامين وبعدها يتم تنشيطه في الكبد والكلى. هذه العملية تعتبر المصدر الأساسي للفيتامين نظراً لقلة توفره من مصادر الاكل الحيوانية. 

 

الجرعة المنصوح بها للبالغين بحسب دراسة حديثة حوالي 2000 وحدة دولية يومياً.

 

البشرة الفاتحة: 

بالنسبة للأشخاص ذوي البشرة الفاتحة، فإن قضاء 30 دقيقة في الشمس خلال فصل الصيف بملابس البحر يُحفز إنتاج حوالي 50,000 وحدة دولية (1.25 ملجم) من فيتامين د خلال 24 ساعة.

 

البشرة المسمرة: 

يرى أصحاب البشرة السمراء انخفاضًا خفيفًا في إنتاج فيتامين د، حيث ينتجوا حوالي 20,000-30,000 وحدة دولية بعد التعرض المشابه للشمس.

 

البشرة داكنة اللون:

أصحاب البشرة الداكنة لديهم إنتاج أقل بسبب امتصاص صبغة الجلد لأشعة الشمس وصعوبة نفاذها. قد يؤدي التعرض لأشعة الشمس لمدة 30 دقيقة في الصيف إلى إنتاج 8,000-10,000 وحدة دولية فقط.



تعزيز المزاج:

قد يمكنك تعويض النقص بحبة فيتامين ولكني لا استطيع قول المثل لهذه النقطة إلا إذا تحدثت عن المخدرات (مجرد نكتة).

 

يتأثر هرمون السيروتونين المعروف بهرمون السعادة (الشقيق الأصغر للميلاتونين أو هرمون الظلام)، أيضًا بالتعرض لضوء النهار. يتم إنتاج السيروتونين عادة خلال النهار، ويتحول إلى ميلاتونين فقط في الظلام. 

 

تؤدي مستويات السيروتونين المعتدلة إلى مزاج أكثر إيجابية ونظرة عقلية هادئة وتركيز أعلى في نفس الوقت. لهذا المزاج السئ، الاكتئاب و الاضطراب العاطفي الموسمي تكون ملحوظة بشكل أكبر في الشتاء.

 

هذه الاضطرابات مرتبطة بمستويات منخفضة من السيروتونين خلال النهار بالإضافة إلى تأخير في إنتاج الميلاتونين ليلاً المرتبط باضطرابات النوم مما يأخذني  إلى النقطة التالية.



نوم أفضل:

النوم أحد الأعمدة الرئيسية للصحة وفي اعتقادي الشخصي أهم العادات الصحية التي يمكنك من خلالها تحسين جودة حياتك بشكل هائل وتلافي الأمراض لهذا لا تستهن بأهمية التعرض للشمس بعد الاستيقاظ مباشرة لمدة 10-15 دقيقة.

 

كما ذكرت في النقطة السابقة فإن إنتاج هرمون الميلاتونين مهم لأنه يساعد للخلود للنوم والاستيقاظ ويتم تنظيمه بالضوء والظلام.

 

ليس هذا فقط، بل يلعب التعرض لأشعة الشمس دورًا رئيسيًا في تنظيم الساعة الداخلية للجسم كما كتبت مفصلاً هنا، والمعروفة باسم الإيقاع اليومي.

 

يساعد التعرض للضوء الطبيعي، خاصة في الصباح، على إعادة ضبط الساعة البيولوجية التي تطول بشكل يومي حوالي 15-30 دقيقة إذا لم يتم تعديلها، مما يؤثر على موعد النوم والاستيقاظ. يمكن أن يؤدي تنظيم الإيقاعات اليومية بواسطة ضوء الشمس إلى تحسين مدة النوم وجودته.

 

علاج بعض الأمراض الجلدية:

يمكن للتعرض المنتظم للشمس، ولكن بشكل متحكم فيه، أن يخفف من أعراض بعض الأمراض الجلدية مثل الصدفية والأكزيما واليرقان، وخاصة عند الأطفال حديثي الولادة.

 

تعزيز الجهاز المناعي:

يلعب فيتامين د دورًا في تعزيز وظيفة الجهاز المناعي. 

 

كما أظهرت الدراسات أن ضوء الشمس، وخاصة الضوء الأزرق، يمكنه تنشيط الخلايا التائية، وهي خلايا مناعة رئيسية في الجسم، عن طريق زيادة حركتها. يحدث هذا التنشيط من خلال إنتاج بيروكسيد الهيدروجين، مما يعزز قدرة الخلايا التائية على التحرك ومحاربة الميكروبات.


للاسف رغم الفوائد فالرواية ليست كلها وردية. لنلقي نظرة على أهم المخاطر.

مخاطر التعرض لأشعة الشمس

 

سرطان الجلد:

يُعد سرطان الجلد الخطر الأبرز والاكثر شهرة في العقود الاخيرة. تلعب أشعة UVB دورًا ضارًا للحمض النووي داخل النواة بشكل خاص وهي السبب الرئيسي لسرطان الجلد.

 

الشيخوخة المبكرة:

للسيدات، تساهم أشعة UVA في شيخوخة الجلد، مما يسبب التجاعيد وفقدان المرونة والبقع.

 

 إصابة العين:

يمكن أن يؤدي التعرض المفرط للشمس إلى إعتام عدسة العين وغيرها من مشاكل البصر. لا تنظر للشمس بشكل مباشر ويكفي النظر في اتجاها فقط.

 

 حروق الشمس:

يؤدي التعرض الزائد للأشعة فوق البنفسجية إلى حروق الشمس المؤلمة، مما يزيد من خطر الإصابة بسرطان الجلد ويسرع من الشيخوخة.

 

طرق الوقاية من أضرار أشعة الشمس

 

كريم واقي الشمس:

استخدموا كريم واقي واسع الطيف بعامل حماية من الشمس SPF 15 على الأقل لحماية البشرة من أشعة UVA و UVB. يجب إعادة وضع الكريم كل ساعتين، أو بعد السباحة أو التعرق.

 

الملابس الواقية:

ارتدوا ملابس واقية، مثل القمصان ذات الأكمام الطويلة والبنطلون والقبعات والنظارات الشمسية بعد الحصول على القدر الكافي من الشمس.

 

المصادر:

1- https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC2728098/

2- https://www.mdpi.com/2072-6643/16/3/391

3- https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC4571146/

 

4- https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC2290997/

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top