أكيد في مرة كنت جالس مع أصحابك وتتذكروا أيام المدرسة وتقول: “كنا زمان عايشين حياتنا، مفيش هموم ولا مشاكل، كل شيء كان بسيط وحلو”.
لكن لو تفكر كويس، حتتذكر إن حتى في هذيك الفترة كانت عندك امتحانات صعبة، ومشاكل مع المدرسين، ويمكن حتى خلافات مع الأصدقاء والأهل. لكن عقلك يميل يتذكر اللحظات الحلوة وينسى الصعوبات.
هادا هو تحيز النظرة الوردية للماضي، وين نشوفوا الماضي بشكل أجمل مما كان عليه فعلاً، ونخافوا من المستقبل ونفكروا إنه حيكون أصعب، مع إن كل فترة عندها تحدياتها ومميزاتها.
هذا ليس سوى مثال لأحد الانحيازات المعرفية العديدة في تفكيرنا.
كطبيب مهتم بتحسين الصحة أدركت أهمية فهم وتجاوز الانحيازات المعرفية الشائعة. هذه التحيزات يمكن أن تؤثر بشكل كبير على اتخاذك للقرارات، وفي علاقاتك. في هذه التدوينة، سنتناول بعض التحيزات الأكثر انتشارًا، ولماذا من الضروري التعرف عليها، واستراتيجيات لتجاوزها.
شنو معناها الانحيازات المعرفية؟
هي أخطاء منهجية في التفكير تصير لما الناس يعالجوا ويفسروا المعلومات. هذي التحيزات ممكن تخلي نظرتنا للأمور تتشوه، ونتخذ أحكام مش صحيحة، ونقرر قرارات سيئة. بعض التحيزات الأكثر شيوعًا تشمل:
تحيز التأكيد
يعني لما الواحد يدور بس على المعلومات اللي توافق معتقداته أو قيمه. مثلاً، لو أنت مقتنع إن نظام غذائي معين هو الأفضل، تلقى نفسك تبحث بس على الدراسات والمقالات اللي تأكد فكرتك وتطنش أي حاجة تناقضها.
تحيز الارتكاز
هو لما تعتمد على معلومة وحدة بس لما تقرر حاجة، وغالباً هالمعلومة تكون أول معلومة حصلتها من بحث غوغل مثلاً. مثلاً، لو سمعت إن مطعم معين عنده تقييم عالي، ممكن تمشي له حتى لو كان فيه تقييمات سلبية بعدين، لكنك خلاص ركزت على التقييم الأول.
اختصار التوفر
هو لما تقدّر احتمالية حدوث حاجة بناءً على سهولة تذكرها. يعني، لو شفت خبر عن حادث سيارة، ممكن تبدأ تفكر إن حوادث السيارات قاعدة تصير كثير، مع إنك تذكرته بس لأنه كان حادث قريب أو مؤثر.
تأثير الإطار
هو لما الطريقة اللي تتقدم بيها الخيارات تأثر على قرارك. مثلاً، لو قالولك “عندك 90% فرصة للنجاح“، بتكون متفائل، لكن لو قالولك “عندك 10% فرصة للفشل“، ممكن تخاف وتغير رأيك، مع إن الحالتين عندهم نفس الاحتمالية.
تأثير القطيع
هو لما تتبع اللي يديروه الناس من غير ما تفكر إذا كان يناسبك ولا لا. مثلاً، لو شفت الناس كلها تشري هاتف جديد، حتى لو كان غالي وما تحتاجه، تلقى نفسك تفكر تشريه بس لأن الناس كلها دارته.
تحيز التكرار
هذا معناه إنه لما يتكرر كلام معين بشكل مستمر، الناس تبدأ تصدقه. يعني مثلاً، لو واحد يسمع إشاعة عن شخص معين أكثر من مرة، حتى لو كانت مش صحيحة، تلقاه يبدأ يصدقها بس لأنها تكررت. تستخدم كثيراً في الخطابات السياسية.
تحيز النقطة العمياء
هذا التحيز يعني أنك تشوف نفسك أقل تحيز من غيرك! مثلاً، ممكن تقول إنك دائماً تاخذ قراراتك بشكل عقلاني، لكن في الواقع تكون قاعد تقع في نفس الأخطاء اللي غيرك يديرها، لكن ما تشوفها في نفسك.
تأثير المتفرج
يعني لما تشوف موقف طارئ، وتفترض إن الآخرين حيحلوه. مثلاً، لو شفت حادث سيارة، ممكن تفكر إن حد غيرك حيوقف ويساعد، فتمشي تكمل طريقك.
لعنة المعرفة
تصير لما حد يعرف حاجة كويس ويصعب عليه يشرحها للي ما يعرفها. مثلاً، لو طبيب يشرح لحد حاجة طبية معقدة، ممكن يلقى صعوبة لأنه ينسى أن الشخص اللي قدامه مش فاهم المصطلحات.
تحيز الوردي
هذا التحيز يعني أنك تشوف الماضي بشكل إيجابي، وتخاف من المستقبل. مثلاً، لما تقول “زمان كان كل شيء أحسن”، مع أنك في الواقع كنت تواجه صعوبات زي اليوم، لكن تحس إن الماضي كان أفضل.
تأثير الفئة
هذا يعني أنك تصرف فلوس أكثر لما تكون عندك فئات صغيرة منها. مثلاً، لو عندك عملات معدنية، تلقى نفسك تصرفها بسهولة، لكن لو عندك ورقة كبيرة، ممكن تتردد قبل ما تصرفها.
تأثير التدبير
هذا التأثير هو لما تبيع شيء زاد قيمته وتحتفظ بشيء نقصت قيمته. مثلاً، لو عندك أسهم في شركة طلعت قيمتها، ممكن تبيعها بسرعة وتحتفظ بأسهم في شركة نزلت قيمتها على أمل إنها تطلع مرة ثانية.
تأثير دانينغ-كروجر
هذا التأثير يعني أن الناس اللي ما عندهم خبرة ممكن يبالغوا في تقدير مهاراتهم، والعكس صحيح بالنسبة للخبراء. مثلاً، شخص مبتدئ في لعب الشطرنج ممكن يعتقد إنه ممتاز، بينما اللاعب المحترف يكون حذر في تقييم نفسه.
تأثير الهبة
هو لما تعطي قيمة أكبر لشيء عندك لما تقرر تتخلى عنه. مثلاً، لو تبي تبيع سيارتك القديمة، ممكن تطلب فيها سعر أعلى من قيمتها الفعلية بس لأنك متمسك بيها.
تأثير بارنوم
هو لما تقرأ وصف لشخصيتك وتعتقد إنه فريد ليك، مع إنه في الواقع عام وينطبق على كثير من الناس. زي لما تقرا برجك وتقول “هالكلام صح عليا بالضبط“، مع إنه ينطبق على ناس كثير غيرك.
انحياز الإدراك المتأخر
هذا التحيز هو لما تصير حاجة وتقول “كنت نعرف إنها حتصير“. زي لما فريق كرة يفوز وتقول “كنت متأكد إنهم حيفوزوا“، مع أنك ما كنت متأكد قبل المباراة.
انحياز العزو العدائي
هذا التحيز يعني أنك تفسر سلوك الآخرين على إنه عدائي حتى لو كان سلوكهم عادي أو مفيش نية سيئة وراها. مثلاً، لو حد تأخر في الرد على رسالتك، تلقى نفسك تفكر إنه قاصد يتجاهلك، مع إنه ممكن يكون مشغول بس.
علاش مهم نتعرفوا على التحيزات؟
التعرف وفهم الانحيازات المعرفية ضروري لعدة أسباب:
1. تحسين اتخاذ القرار: لما نكون واعيين بتحيزاتنا، نقدر نقرر قرارات أكثر وعيًا وعقلانية، واللي تؤدي لنتائج أفضل.
2. تعزيز العلاقات: التعرف على التحيزات يساعدنا نتواصل بطريقة أحسن، نقلل النزاعات، ونبني علاقات أقوى مع الناس.
3. النمو الشخصي: الاعتراف بتحيزاتنا خطوة مهمة نحو الوعي الذاتي والتطور الشخصي، وهذا يسمح لنا بتحدي افتراضاتنا ومعتقداتنا والنمو كأفراد.
4. النجاح المهني: في مجالات زي الطب، القانون، والتمويل، الوعي بالتحيزات ممكن يؤدي لقرارات مهنية أفضل ونتائج أحسن للمرضى أو العملاء.
استراتيجيات لتجاوز التحيزات
تجاوز التحيزات مش حاجة سهلة، لكن مع الممارسة والتفاني ممكن نقلل تأثيرها على حياتنا. ها هما بعض الاستراتيجيات اللي ممكن تساعدك تتجاوز التحيزات الشائعة:
1. تعرض لوجهات نظر متنوعة: حاول تحيط نفسك بناس من خلفيات وتجارب وآراء مختلفة. هذا ممكن يساعدك تتحدى تحيزاتك وتشوف الأمور من زاوية أوسع.
2. شكك في افتراضاتك: خذ وقتك و تحقق من عمليات التفكير متاعك وسائل الافتراضات اللي تعتمد عليها معتقداتك وقراراتك. اسأل نفسك، “شنو الأدلة اللي تدعم هالمعتقد؟” أو “هل أنا قاعد نفكر في كل البدائل الممكنة؟“
3. أبطأ في اتخاذ القرار: لما تواجه تبي تأخذ قرار، خذ خطوة للخلف وأبطئ العملية. هذا ممكن يساعدك تتجنب اتخاذ أحكام سريعة مبنية على تحيزات.
بعد ما غصنا في بحر التحيزات المعرفية، تخيل إنك راجع لبيتك بعد يوم طويل، وأنت تفكر في قراراتك اليومية اللي ممكن تكون تأثرت بها التحيزات من غير ما تحس. زي لما تتردد في تغيير طريقك المعتاد لمكان شغلك لأنك متعود عليه، أو لما تشتري حاجة لأن الكل يمدحها رغم إنك ما تحتاجها فعلاً.
هذي اللحظات الصغيرة هي اللي تحدد كيف نمشي في حياتنا. فالوعي بها هو أول خطوة لتحسين قراراتنا وخياراتنا. في النهاية، مش مهم نكون مثاليين، لكن المهم إننا نسعى لفهم نفسنا أكثر ونتخذ قراراتنا بعين العقل.
المصادر:
الويكيبديا – قائمة الانحيازات المعرفية